الاطفال احتياجاتهم و احتياجاتنا


ما لا شك فيه وما هو محط اجماع بين غالبية الناس ان احتياجات الطفل تختلف كثيرا عن ما هي عليه عند البالغ،   فالكل يعلم ان الطفل الرضيع مثلا يحتاج للحفاضات بينما يستطيع البالغ التحكم في قضاء حاجته ، والرضيع يحتاج لحليب الام عكس البالغ الذي بامكانه الاستغناء عن هذه المادة أيا كان مصدرها و الطفل ايضا يحتاج ساعات اكثر من النوم مما يحتاجه البالغ.
 و من جهة اخرى فحاجة البالغ للاوراق او القطع النقدية لاتقابل حاجة الصغير اليها فقد تكون بالنسبة للاخير مجرد اداة للهو و اللعب وربما تتفوق عليها اقراص بلاستيكية بالوان متنوعة او فاقعة وتكون اكثر اثارة من هذه القطع النقدية بلونها الرمادي البئيس.


اذن فهذا الفرق في الاحتياجات من المعروف بالضرورة ، لكن السؤال الذي يطرح هو : هل نعلم حقا ماهي الاحتياجات الحقيقية للطفل؟ ، و هل من   الضروري و الواجب علينا كمربين ان نعرف و نتفهم هذه الاحتياجات؟   وهل نفرق بين احتياجاتهم الخاصة و احتياجاتنا فيهم؟ 


 اود ان افصل قليلا في السؤال الثالث "هل نفرق بين احتياجاتهم الخاصة و احتياجاتنا فيهم؟ " و لاوضح اكثر وجهة نظري ساقدم بعض الصور التعبيرية 

الصورة الاولى
محلات تضع عربات للعب على شكل سيارات او دراجات او مروحيات تشتغل مقابل درهم  تتحرك لدقيقة  في اتجاهين او ثلاث .زوجان شابان يرافقان ابنهما الرضيع الذي لم يكمل بعد سنته الاولى و السعادة تملا محياهما يضعه والده في احدى العربات ويشغلها و الام تتكفل بالتقاط الصور،في معظم الاحيان يرفض الصغار في هذه السن الجلوس في هذه العربة و يستعينون بالبكاء بل و يطلقون العنان لصرخاتهم المدوية و في احيان اخرى تجد ان هذا الطفل لا يحسن حتى الجلوس بعد و يحتاج ليسند ليبقى تابثا و مع ذلك يصر الابوان على وضعه و التقاط الصور لمشاركتها مع العائلة و الاصدقاء،  و التعليق عليها ب " خرّجنا آدم إتسارا و يلعب شويا، استمتع مزيان .
هنا يتضح بجلاء هذ الخلط في مفهوم الاحتياجات فما وقع هو تلبية صريحة لاحتياجات الاباء في ابنهم وليس تلبية لاحتياجات الابن، فهذا الكائن الصعير في هذا العمر مثلا لا يحتاج الى اللعب في هذه العربة ولا يحتاج البتة الى التقاط صور بل قد يكون هذا سلبا و هتكا لبعض احتياجاته الاساسية كالشعور بالامان ، بل ان الوالدين هم من لهم هذا الاحتياج الى التميز و التفرد بهذا  الابن في اوساطهم الاجتماعية  و اثارة الاهتمام و استقبال التعليقات ، و في النهاية فهذا الابن هو مجرد اداة لبلوغ ذلك

الصورة الثانية :
زوجة و أم عاملة تضع (ترمي) مولودها منذ الشهر الثالث في حضانة تعتبرها في حواراتها من "ارقى" الحضانات في المدينة، لتتفرغ لوظيفتها في مؤسسة او شركة خاصة ، تقوم كل يوم في وقت جد مبكر و توقض الصغير لتحضره استعدادا للخروج تغيب عنه طول اليوم تعود بعدها الى البيت منهكة تقضي معه بضع دقائق فينتهي اللقاء ليتجدد صباح اليوم التالي، الواضح ان لا احد يريحه حقا هذا الوضع سواء الام او الطفل ، لكن الام تبرر دلك طبعا بحرصها على مصلحة الصغير و تلبية للاحتياجاته التي اصبحت في هذا العصر كثيرة و مكلفة ، فهذه الام تختم غالبا اسبوعها في جوالات و صوالات بين محلات بيع الملابس الخاصة بالاطفال تقتني و تختار لصغيرها ارقى الملابس و الادوات من اغلى الماركات، طبعا تلبية لاحتياجاته، وهنا مرة اخرى يطرح السؤال هل هذا من احتياجات الاطفال؟ . هل هو حقا في حاجة لارتداء حذاء مختوم من نايك او اديداس ليكون مرتاحا و سعيدا؟ هل التنسيق في الالوان من القبعة الى الحذاء يلبي شيئا من احتياجاته ؟ هل ارتداء سروال منتج من طرف مصمم عالمي او فستان مستورد يساهم اكثر في نموه و تطوره؟ طبعا الجواب واضح ، ان كلما يحتاجه حقا هو لباس يقيه البرد و الحر و لسعات الحشرات و لا يعيق حركته او يسبب له امراضا او حساسيات ، اما الالوان والتصميم و التنسيق فهذا لا يعني له شيئا  و  سواء كان اللباس من تصميم ماركات عالمية او كان من انتاج خياط الحي فالامر بالنسبة اليه سيان .

بل هو اكثر حاجة الى تواجد هذه الام الى جانبه كل الوقت في حاجة الى احضانها و قبلاتها, الى النظر في وجهها, الى حنانها و عطفها, و كل مايبدل الاباء من مجهود مما ذكر سابقا هو , تلبية لاحتياجاتهم هم و تحقيق لرغباتهم النفسية الدفينة في ابناءهم وترجمة لثقافة مادية بئيسة طغت على كل القيم الانسانية الرفيعة

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

Rérférence

بداية الحكاية